الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة الذي يقوم الليل أو جله فيأتي إلى صلاة الصبح وهو ناعس: قال محمد بن رشد: أما قيام جل الليل إذا لم يوجب ذلك عليه أن يغلبه النوم في صلاة الصبح فذلك من المستحب المندوب إليه، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} [المزمل: 3] {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 4]. واختلف قول مالك في قيام جميعه مع أن لا يوجب ذلك عليه أن يغلبه النوم في صلاة الصبح، فمرة أجازه لأن قيام الليل فعل بر فاستيفاء جميعه نهاية في ذلك، ومرة كرهه مخافة السآمة عليه والملل، فقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى». ولما قيل له في الحولاء بنت تويت إنها لا تنام الليل كره ذلك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى عرفت الكراهية في وجهه وقال: «إن الله لا يمل حتى تملوا اكفلوا من العمل ما لكم به طاقة». وقال عَلَيْهِ السَّلَامُ في الذي صام الدهر «لا صام ولا أفطر». وقع اختلاف قوله في رسم باع غلاما بعد هذا. وأما إذا كان إذا قام الليل لا يصلي الصبح إلا وهو مغلوب عليه فذلك مكروه له، قام الليل أو جله قولا واحدا، لقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لا إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإنه إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه». فيحصل بين أمرين: إما أن يصلي على هذه الحال التي قد نهي عن الصلاة فيها، أو يرقد فتفوته صلاة الصبح في جماعة. وقد قال عثمان بن عفان، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة، وذلك لا يقوله إلا عن توقيف، وبالله التوفيق. .مسألة القوم يجتمعون جميعا فيقرؤون في السورة الواحدة: قال ابن القاسم: قال مالك في القوم يجتمعون جميعا فيقرؤون في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الإسكندرية، فكره ذلك وأنكر أن يكون من فعل الناس. قال محمد بن رشد: إنما كرهه لأنه أمر مبتدع ليس من فعل السلف؛ ولأنهم يبتغون به الألحان وتحسين الأصوات بموافقة بعضهم بعضا وزيادة بعضهم في صوت بعض على نحو ما يفعل في الغناء، فوجه المكروه في ذلك بين والله أعلم. وقد مضى من هذا المعنى في رسم سلعة سماها، وتأتي المسألة متكررة في رسم لم يدرك من سماع عيسى. .مسألة علم الإمام أنه لا يستطيع أن يصلي قائما: قال محمد بن رشد: قوله ليس من هيئة الناس اليوم أن يصلوا جلوسا، أي ليس من هيئتهم أن يصلي المريض الجالس بالأصحاء قياما، يريد أن ذلك إنما كان من هيئة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمرتبته التي لا يشاركه فيها غيره، فكان ذلك من خواصه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله بعد ذلك ولعل هذا شيء نسخ والعمل على حديث ربيعة إلى آخر قوله، يدل على أنه لم يرد ذلك من خواصه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه كان شرعا شرعه لأمته ثم نسخه عنهم بما كان من فعله أيضا في ذلك المرض الذي توفي فيه. وقد تعارضت الآثار في ذلك فجاء في بعضها ما دل على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما خرج في مرضه وأبو بكر يصلي بالناس تأخر أبو بكر عن الإمامة وتقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى بالناس بقية صلاتهم وهو جالس والقوم خلفه قياما، وجاء في بعضها ما يدل على أن أبا بكر لم يتأخر عن الإمامة، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما صلى مؤتما بأبي بكر، فمن الناس من صحح ما دل منها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان الإمام ورأى ذلك شرعا لأمته ثم لم ينسخه عنهم ولا اختص به دونهم، فأجاز إمامة المريض جالسا بالأصحاء قياما، وهي رواية الوليد بن مسلم عن مالك، وفي هذا نظر، كيف أم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس في صلاة قد دخلوا فيها قبله، إلا أن يتأول أنه أحرم خلف أبي بكر ودخل في الصلاة معه، ثم حينئذ تقدم فصار هو الإمام رجع أبو بكر مأموما، فيستقيم معنى الحديث ويصح التعلق به لمن أجاز إمامة الجالس منه. ومنهم من صحح أيضا ما دل منها أنه كان الإمام إلا أنه رأى ذلك من خواصه، فلم يجز لأحد بعده إذا كان مريضا أن يؤم الأصحاء قياما، وهو قول مالك في هذه الرواية على ما قلناه. ومنهم من ذهب إلى أن ذلك كان منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاتين فكان في الصلاة الأولى هو الإمام، وائتم في الثانية بأبي بكر، فكان فعله في الصلاة الثانية ناسخا لفعله في الصلاة الأولى. وإلى هذا ينحو آخر قول مالك في هذه الرواية على ما قلناه. فعلى هذا التأويل تخلص الآثار من التعارض، فهو أولاها بالصواب، والله أعلم. فإن أَمَّ المريض جالسا بالأصحاء قياما على ما في رواية ابن القاسم عن مالك أجزأته وأعاد القوم أبدا، وقد قيل: إنهم لا يعيدون إلا في الوقت مراعاة لقول من يجيز ذلك ابتداء، وهي رواية الوليد بن مسلم عن مالك. وقد قال بعض أصحاب مالك: إن الإمام يعيد، وهو بعيد، وستأتي هذه المسألة أيضا في آخر رسم استأذن من سماع عيسى. وأما ما روي «عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أنه صلى وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا» فلا اختلاف بين أهل العلم أن ذلك منسوخ إلا ما جاء عن أسيد بن الحضير، وجابر بن عبد الله أنهما عملا بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، وهو شذوذ، فإن صلى المريض بالأصحاء جلوسا أعادوا في الوقت وبعده، وقد قيل: إنهم لا يعيدون إلا في الوقت، وهو بعيد لضعف الاختلاف في ذلك، وبالله تعالى التوفيق. .مسألة يكبر الإمام إذا صعد المنبر في العيدين: قال محمد بن رشد: التكبير من شعار العيد. روي عن الحسن بن علي أنه قال: «أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نلبس أحسن ما نجد وأن نضحي بأسمن ما نجد: البقرة عن سبعة والجزور عن عشرة وأن نظهر التكبير وعلينا السكينة والوقار». ولم يحد مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في تكبير الإمام في الخطبة حدا، قاله في رسم اغتسل بعد هذا، وقال ابن حبيب: إنه يكبر في مبتدأ الخطبة الأولى تسع تكبيرات، وفي مبتدأ الثانية سبع تكبيرات، وفي خلال كل فصل ثلاث تكبيرات، وحكي ذلك عن مطرف وابن الماجشون، قال: وقد روي عن أبي هريرة أنه يكبر في مبتدأ الخطبة خمس عشرة تكبيرة، والاقتصار على الأولى أحب إلينا. .مسألة يصلي المريض المكتوبة على المحمل: قال ابن عبد الحكم: إنما ذلك إذا كان المريض يقوى إذا نزل بالأرض على الصلاة جالسا وساجدا؛ لأنه لا يجوز له أن يصلي المكتوبة على المحمل إيماء وهو ممن يقوى على السجود، فإذا كان ممن إذا نزل بالأرض لم يقو على الصلاة إلا مضطجعا وإيماء فلا بأس أن يصلي على المحمل؛ لأن الحالة قد استوت به، ورواه يحيى عن ابن القاسم عن مالك. قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم وظاهر روايته هذه عن مالك وما في المدونة أن المريض لا يصلي المكتوبة على المحمل أصلا وإن لم يقدر على السجود بالأرض ولا على الجلوس، ورواية يحيى عن ابن القاسم عن مالك أنه يجوز له أن يصلي على المحمل إذا لم يقدر على السجود وإن قدر على الجلوس، ومثله رواية أشهب عن مالك بعد هذا، فهي ثلاثة أقوال على ما ذكرناه، فرواية يحيى عن ابن القاسم عن مالك مخالفة لقول عبد الحكم ولرواية أشهب عن مالك، فسياقة العتبي لرواية يحيى على أنها مثل قول ابن عبد الحكم سياقة فاسدة، فتدبر ذلك وقف عليه إن شاء الله، وبه التوفيق. .مسألة الصلاة على السرير: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، وهو أمر لا اختلاف فيه؛ لأن الصلاة على السرير كالصلاة في الغرف وعلى السطوح، وبالله التوفيق. .مسألة الرجل يكون في الصلاة فيخرج الرجل من الصف: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن اشتغاله بالإقبال على صلاته آكد عليه من الاشتغال بتقويم الصف إذا اعوج؛ لأن الإقبال على صلاته مما يخصه بخلاف تقويم الصف. .مسألة حكم وضوء من ينام وهو قاعد: وحدث ابن القاسم عن مالك عن نافع أن ابن عمر كان ينام وهو جالس ثم يصلي ولا يتوضأ. قال مالك فلا أرى الوضوء إلا على من تطاول ذلك عليه، فأما الرجل ينام يوم الجمعة والإمام يخطب وما أشبهه فلا أرى عليه وضوءا. قال محمد بن رشد: وهذا كما قاله؛ لأن النوم ليس بحدث فتنتقض الطهارة بقليله وكثيره، وإنما هو سبب للحدث. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «العينان وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء»، فلا يجب الوضوء إلا من النوم الذي يمكن إذا كان منه الحدث ألا يشعر به، فالقدر الذي يحكم على النائم بانتقاض وضوئه من أجله يختلف باختلاف هيئته في نومه، وهو على أربع مراتب: أقربها إلى انتقاض وضوئه فيها بالنوم الاضطجاع، ثم السجود، ثم الجلوس والركوب، ثم القيام والاحتباء. واختلف في الركوع فقيل إنه كالقيام، وقيل إنه كالسجود، واختلف أيضا في الإسناد فقيل: إنه كالجلوس وقيل: إنه كالاضطجاع. فإذا نام الرجل مضطجعا وجب عليه الوضوء بالاستثقال وإن لم يطل، وإذا نام ساجدا لم يجب عليه الوضوء إلا أن يطول، وقيل: إنه يجب عليه بالاستثقال وإن لم يطل، وإذا نام جالسا أو راكعا فلا وضوء عليه إلا أن يطول، وإذا نام قائما أو محتبيا فلا وضوء عليه وإن طال؛ لأنه لا يثبت، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة. .مسألة أصابه الرعاف يوم الجمعة بعد أن صلى ركعة فغسل الدم عنه: قال محمد بن رشد: ظاهر قوله أرى أن يرجع إلى المسجد، أنه يرجع إلى المسجد الذي ابتدأ فيه، وهو المشهور في المذهب. ومن أصحابنا من يقول إنه يتم صلاته في أقرب المساجد إليه، وهو الذي يدل عليه تعليله بأن الجمعة لا تصلى في البيوت. وجه القول الأول أن المسجد شرط في صحة الجمعة، فإذا دخل في الجمعة في مسجد ما تعين عليه إتمام الصلاة في ذلك المسجد. ووجه القول الثاني أنه لا يتعين عليه إلا إتمام الصلاة في مسجد لا في ذلك المسجد بعينه. ويدل تعليله أيضا على أن الجمعة لو أقيمت في مسجد سوى المسجد الجامع لأجزأت خلاف ما ذهب إليه القاضي أبو الوليد من أن ذلك لا يجوز إلا أن تنتقل إليه الجمعة على التأبيد. .مسألة نسي صلوات كثيرة فذكرها في وقت صلاة: قال محمد بن رشد: جعل في هذه الرواية حد الصلوات الكثيرة الذي يبدأ بما حضر وقته عليها ست صلوات فزائدا، وروى ابن سحنون عن أبيه أن حدها خمس صلوات فزائدا، وقد قيل إن حدها أربع صلوات فزائدا على ظاهر ما في المدونة. والصواب أن حدها أكثر ما قيل في ذلك وهي الست الصلوات للاتفاق على أنها كثيرة؛ لأن ظاهر قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصليها في وقتها»، يقتضي بحمله على عمومه، إذ الصلاة من ألفاظ العموم، أن يبدأ بالفوائت، قلت أو كثرت ساعة يذكرها قبل ما هو في وقته، فلا يخصص من هذا العموم إلا ما يتفق على تخصيصه منه وهو الكثير، وبالله التوفيق. .مسألة الرجل يصلي في الإزار والرداء فيجد الحر فيطرح رداءه على منكبيه: قال: وسئل مالك عن الرجل يصلي في الإزار والرداء فيجد الحر ويكون متربعا فيطرح رداءه على منكبيه، قال: أما النافلة فأرجو أن يكون خفيفا. قال محمد بن رشد: يكره للرجل أن يصلي مكشوف الظهر والصدر، فاستخف ذلك في النافلة لشدة الحر، ولو لم يفعل لكان أحسن. .مسألة الوتر يقرأ فيه الرجل بأم القرآن وحدها ثم يركع: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن سجود السهو إنما يجب لنقصان السنن لا لنقصان الاستحبابات، وقراءة ما عدا أم القرآن في الوتر مستحب. .مسألة الجمع بين المغرب والعشاء في المطر: قال محمد بن رشد: سلم السائل قوله إن الجمع لا منفعة لهم فيه لتمادي المطر، وليس ذلك ببين، بل هم مع تمادي المطر في الجمع أعذر، والرخصة لهم فيه أكثر، للمشقة الداخلة عليهم في الذهاب والرجوع مرتين مع تمادي المطر. وظاهر هذه الرواية أنه أجاز الجمع في الطين والوحل وإن لم يكن مطر ولا ظلمة، إذ لم يشترط الظلمة، وذلك خلاف قوله في المدونة والواضحة، وخلاف ما في قرب آخر الرسم الأول من سماع أشهب، وقد مضى التكلم في وقت الجمع بينهما في رسم شك في طوافه فلا وجه لإعادته. .مسألة التكبير خلف الصلوات بأرض العدو: قال محمد بن رشد: المسودة هم القائمون على بني أمية بدولة بني العباس، وكانت لهم ألوية سود فنسبوا إليها، وأنكر في هذه الرواية التكبير دبر الصلوات بأرض العدو، وسكت عنه في غير دبر الصلوات، وأجازه في الجهاد من المدونة، وفي سماع أشهب من كتاب الجهاد بحضرة العدو وبغير حضرتهم وسكت عن دبر الصلوات، فكل واحدة من الروايتين مبينة لصاحبتها. وحكى ابن حبيب أن أهل العلم يستحبون التكبير في العساكر والثغور والمرابطات دبر صلاة العشاء وصلاة الصباح تكبيرا عاليا ثلاث تكبيرات، ولم يزل ذلك من شأن الناس قديما، وسمعتهم يكرهون التطريب في ذلك وأن يتقدمهم واحد بالتكبير أو التهليل ثم يجيبه الآخرون بنحو من كلامه جما غفيرا، ولا بأس أن يخترق تكبيره، وما ذهب إليه مالك من كراهية التكبير دبر الصلوات أظهر؛ لأنه أمر محدث لم يكن في الزمن الأول، ولو كان لذكر ونقل، والله أعلم. .مسألة الصلاة في مثل مساجد الحرس أيصلي فيها الظهر والعصر يجمع فيها مرتين: وسألت مالكا عن الصلاة في مثل مساجد الحرس، أيصلي فيها الظهر والعصر يجمع فيها مرتين؟ فكره ذلك وقال: لا أحب أن تجمع في المسجد صلاة واحدة مرتين يجمع فيها بعد الصلاة. قال ابن القاسم: إذا كان المسجد يجمع فيه بعض الصلوات ولا يجمع فيه بعضها فلا تجمع فيه صلاة مرتين. قال ابن القاسم: قال لي مالك كل مسجد تجمع فيه بعض الصلوات ولا يجمع فيه بعض فلا أرى أن يجمع فيه مرتين ما يجمع فيه وما لا يجمع. قال مالك: وقد كان بالمدينة هاهنا مساجد يجمع فيها المغرب والعشاء والصبح ولا يجمع فيها الظهر والعصر. قال ابن القاسم: ولا أعلم إلا أنه كان من قوله فلم يكن يجمع فيها صلاة واحدة مرتين مما لم يكن يجمع فيه. وفي رواية أشهب وابن نافع من كتاب الصلاة قال: وسئل مالك عن مساجد بالإسكندرية يحرس فيها يصلى فيها المغرب والعشاء والصبح بالأذان والإقامة، ولا يصلى فيها الظهر والعصر، فربما شهدنا الجنازة بالنهار فصلينا فيها الظهر والعصر فتجمع فيها الصلاة منها مرتين، أترى ذلك واسعا؟ قال نعم لا بأس بذلك، وأما الصلوات التي تجمع فلا أرى ذلك. قال محمد بن رشد: رواية ابن القاسم في المنع من الجمع مرتين في المسجد الذي يجمع فيه بعض الصلوات التي لا تجمع فيها، تأتي على أن الجمع في مسجد واحد مرتين كره لوجهين: أحدهما: تفريق الجماعة. والثاني: لئلا يكون ذلك ذريعة لأهل البدع في اعتزالهم أهل السنة وتفرقتهم بأئمتهم؛ لأن الصلاة التي لا تجمع فيه إذا جمع فيه مرتين كل ذلك ذريعة لأهل البدع إلى ما يذهبون إليه من إظهار بدعهم وإن لم يكن في ذلك تفريق جماعة، إذ ليس لتلك الصلاة في ذلك المسجد جماعة تفرق. ورواية أشهب تأتي على أن الجمع مرتين في مسجد واحد إنما كره لعلة واحدة وهي تفريق الجماعة، فإذا لم يكن لتلك الصلاة في ذلك المسجد جماعة تفرق جاز الجمع فيه مرتين، فهذا وجه الروايتين. .مسألة يصلي العصر ثم ينسى أنه صلى فيقوم يصلي ثم يذكر صلى: قال محمد بن رشد: النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس نهي ذريعة، وإنما حقيقة الوقت المنهي عن الصلاة فيه عند الطلوع وعند الغروب. ألا ترى أن رجلين لو كان أحدهما قد صلى العصر والثاني لم يصلها لجاز للذي لم يصل العصر أن يتنفل ولم يجز ذلك للآخر والوقت لهما جميعا وقت واحد، فإنما نهي الذي صلى العصر عن الصلاة بعد العصر حماية للوقت المنهي عن الصلاة فيه، لا لأن الصلاة فيه حرام. روي عن المقدام ابن شريح: «قلت لعائشة كيف كان يصنع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الظهر والعصر، قالت: كان يصلي الهجير ثم يصلي بعدها ركعتين. ثم كان يصلي العصر ثم يصلي بعدها ركعتين، قال فقلت: فأنا رأيت عمر يضرب رجلا رآه يصلي بعد العصر، فقالت: لقد صلاهما عمر ولقد علم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاهما، ولكن قومك أهل اليمن قوم طغام فكانوا إذا صلوا الظهر صلوا بعدها إلى العصر وإذا صلوا العصر صلوا بعدها إلى المغرب فقد أحسن». فلما كان هذا الذي صلى ركعة من العصر ثم ذكر أنه قد صلاها في وقت ليس بوقت منهي عن الصلاة فيه لأن الصلاة فيه حرام، وجب أن يتم ركعتين ولا يبطل عمله، لقول الله عز وجل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، فهذا وجه قول مالك والله أعلم. ولو ذكر قبل أن يركع لكان الأظهر أن يقطع على قياس قوله في مسألة رسم أوله مرض بعد هذا، ولو ذكر قبل أن يركع من صلاة يصلي بعدها لجرى ذلك على اختلاف قول ابن القاسم وأشهب في كتاب الصيام من المدونة في الذي يظن أن عليه يوما من رمضان فيصبح صائما، ثم يعلم أنه لا شيء عليه، وبالله التوفيق. .مسألة القرآن يكتب أسداسا وأسباعا في المصاحف: قال محمد بن رشد: أنزل الله تبارك وتعالى القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم أنزل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا بعد شيء حتى كمل الدين، واجتمع القرآن جملة في الأرض كما أنزله الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، فوجب أن يحافظ على كونه مجموعا، فهذا وجه كراهية مالك لتفريقه والله أعلم. .مسألة الصلاة في الحمام وقراءة الآية والآيتين: قال محمد بن رشد: قوله: لا أرى بأسا بالصلاة في الحمام، معناه إذا أيقن بطهارته؛ لأنه قد روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه «نهى عن الصلاة في سبعة مواطن، أحدها الحمام»، ومعنى النهي عن ذلك عند مالك لما يتقى من نجاسته إذ هو موضع يتخذ للاغتسال من النجاسة وغيرها، فينبغي أن يحمل داخله على النجاسة حتى يوقن بطهارته، وخارجه حيث يخلع الناس ثيابهم على الطهارة حتى يوقن فيه بالنجاسة. ولعله تكلم في هذه الرواية على خارج الحمام، ولذلك لم يشترط أن يعلم طهارة الموضع الذي صلى فيه، وتكلم في المدونة على داخله، ولذلك اشترط طهارة الموضع فقال: إذا كان مكانه طاهرا فلا بأس به، ولم يجز أن يقرأ فيه بالآية والآيتين والثلاث، على سبيل الارتياع والتعوذ لأنه قرآن كريم، فواجب أن يجل على أن يتلى في المواضع المكروهة، وقد كره في رسم المحرم للرجل أن يقرأ بقية حزبه في طريق مسيره إلى المسجد، فكيف بالتلاوة في الحمام، وبالله التوفيق.
|